[ad_1]
صبغة ٌ واحدة، مُنتَج ٌ واحد!!!
ياسر طالبٌ في المرحلة الثانوية، كان كثير الحركة قليل التركيز، مثيرا للشغب، يتصرف كالأطفال، ويُجيب كالأطفال، وكثيراً ما كنت أقوم بتأنيبه.
وفي أحد الدروس قادنا الحديث في صحة جهاز الدوران عن أهمية الرياضة، فإذا به ينشط ويُحاور حول بعض أنواع الرياضة وعلاقة كل نوع بأجهزة الجسم، يتحرك أثناء حديثه ويخرج من مقعده ثم يعود إليه مجدداً كلما انتهى دوره في المناقشة دون أي أمرٍ مني، وقام بسرد أسماء من عالم الرياضة في ( كرة القدم والسلة وفي الجري السريع وغيرها)، فوجئت به وظهرت عليّ علامات الدهشة.
فأصبحت وظيفتي عند التحضير للدروس هي البحث عن الأفكار التي تمكنني من ربطها بالواقع وبالحياة. أصبحت أدرس انفعالات الطلبة و ردود أفعالهم لأعرف أنماط تعلمهم المختلفة، أتقمص شخصياتٍ تشبه ما يحبون في المعلم ليست كما هي شخصيتي الحقيقية.
منذ ذلك الوقت عرفت أن لياسر نمطاً مميزاً ذو طابعٍ شخصيّ يختلف عن أقرانه الذين صبغتهم المدرسة بلون واحد فأصبحوا يشبهون بعضهم. بالرغم من أنهم كانوا مثله بادئ ذي بدء.
المدرسة المصنع :
يدخل الأطفال بأدمغة مختلفة و ذكاءات متعددة بمستويات ذكاء عالية نسبياً (المواد الخام) إلى المدرسة (خط الإنتاج)، وفيها كل شيء مُرتَّب ومنظَّم وخاضع للمعايير التي يفرضها مكتب التعليم المسؤول. ومن ثم يتم تقسيم الطلبة إلى فئات حسب العمر (كل فئة فيها تمثل مرحلة من مراحل الإنتاج). ويعمل المُدرس على مراقبة خط الإنتاج. فيكون المنتوج النهائي عقولٌ متشابهة، بمقاس واحد تلبي احتياجات سوق العمل.
يمكن اعتبار مدارسنا كمصانع، يتم فيها تحويل المادة الخام (الأطفال) إلى أفراد عاملين في المجتمع قد تلبي حاجات سوق العمل ولكنها تملك الصبغة ذاتها في التفكير. وبذلك تكون قد قضت على بذور التميّز ومحت الطابع الشخصي لكل متعلم.
كما انتقل أثر المدارس (المصانع) إلى عالم التدريب أيضاً، وأصبح تدريب البالغين نسخة عن نموذج المصنع المدرسي، فبدأت تظهر مشكلات عدة على مستوى التطبيق وأخرى فيما يخص مخرجات التدريب، فظنت هيئات التدريب أنها ستقوم بحل مشاكل التدريب من خلال إدخال التقنية ( الحاسوب والانترنت) ، إلا أنها وجدت في النهاية نظامَ مصنعٍ جديد، ما هو إلا نموذج مؤتمت automated لنظام المصنع القديم.
وإذا فكرنا بالبحث عن الحلول سنجد الكثير، منها ما هو خيالي ومنها ما هو قابل للتطبيق ولكنني بحثت في خط مختلف فمررت بكثير من الأبحاث والدراسات التي تختلف حيناً وتتفق حيناً آخر. حتى وجدت ضالتي فيما يُسمى:
التعلم السريع The Accelerated Learning
التعلم السريع هو تعلمٌ طبيعي فهو ببساطة الطريقة التي يتعلّم فيها أيُّ طفل. فهل تجد طفلاً يتعلم كأخيه أو كأقرانه تماماً، قد يكونوا متشابهين في بعض الأساليب ولكن لكلٍ منهم صبغته وتجربته الخاصة.
برز التعلم السريع كثورةٍ في التعليم في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استقى بداياته من التجارب التي حصلت سابقاً. وهو أحدث ما توصل إليه البحث في عالم التعليم و التدريب اليوم، وقد اعتمد على البيولوجيا في مجال دراستها للدماغ البشري ومقدرته على التعلُّم.
هذا النوع من التعلّم لا يبني التعليم معتمداً على القوالب الجاهزة الصلبة، إنما يترك المجال واسعاً مرناً، وفقاً لأهداف الهيئات المسؤولة عن التدريب، والحقائب التدريبية، وطبيعة المتدربين ومستوياتهم الفكرية أيضاً.
كيف يتعلم الدماغ؟
هناك الكثير من الجوانب المتعلقة بعمل الدماغ لم يتمكن العلماء من فهمها بعد، إلا أن ما تم اكتشافه حتى اليوم يكفي ليُقدم لنا بشكلٍ لا شك فيه نقضاً للكثير من نظريات التعليم التي ما زالت سائدة منذ حقبة مضت.
ركزّ التعلّيم التقليدي على الرأس، واعتبر أن العملية كلها تحدث في بنك المعلومات ( الدماغ) باعتبارها عملية منطقية، لا علاقة لها بباقي أجزاء الذات ، من جسد ومشاعر وإحساسات.
فنشأت بيئات تعليمية تدفع المتعلّمين (صغاراً أو كباراً) لتنفيذ مجموعة الأوامر الآتية:
لا تتحركوا، اجلسوا ساكنين، اصمتوا، والآن: تعلّموا !!!!!
وفي الواقع واحدة من نظريات العلم التي يغفل عنها الكثير من التربويين تقول بأنّ:
الدماغ كُلٌّ متكامل يتفرع في كل أنحاء الجسم ويعمل كوحدة وظيفية، وتتوزع الذاكرة في شتى أجزاءه. فالتعلم والتفكير وفقاً لهذه النظرية هو عمل يقوم به الجسم البشري كاملاً وليس الرأس فقط. فالدماغ والجسد يُعالجان المعطيات بشكل متزامن ووفق سياق كامل وليس بشكل متعاقب وفق تفاصيلَ معزولة !!!
نحن اليوم بحاجة لاستخدام كامل العقل والذات (الجسد+ المشاعر +الإحساسات) وهذا هو الحل الأمثل لتحقيق تعلم أسرع وأكثر متعة وفاعلية.
فحركة الجسد تُحسِّن أداء العقل وبالتالي ينبغي علينا في بيئات التعليم أن نقول للمتعلّمين:
قفوا، تحركوا، تحدثوا، وتعلّموا !!!
ولابد من تدريب المتعلّمين على التفكير الذاتي وعلى كيفية التعلم والتخيُّل و استخلاص النتائج من خلال القيام بالتجارب والابتعاد عن التخزين البنكي للمعلومات.
كما ينبغي الاهتمام بالمشاعر فعندما تكون المشاعر إيجابية يكون المتعلّم في حالة من الانفتاح مما يُسرِّع التعلم في حين أن المشاعر السلبية والضغط النفسي يُصيب المتعلّم بالانغلاق وبدلاً من التركيز على التعلم يبدأ في السعي إلى الهروب وهذا ما يُبطئ التعلّم أو يُجمّده إن صح التعبير.
انهض، تحرك، افعل شيئاً … لا تجلس ساكناً :
“إن الطريقة التي يُعامل بها الأطفال في المدارس هي الجنون بعينه، فالأطفال الذين لا يطيقون السكون يُوسمون بفرط النشاط، وغالباً ما يتم علاجهم كمرضى” إدوارد تي هول – 1976
كُتبت هذه الكلمات منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ومع ذلك، لم يتغيَّر شيء حتى الآن.
وقد أشارت دراسات حديثة إلى أن أكثر من 80{e2461a2897deda3ab7f1c3c188586f385e09b16eca558645221f42eb367596f1} من الأطفال الذين يُعالجون من نقص التركيز وفرط النشاط تم تشخيص حالاتهم بشكل خاطئ !!!!!
تحت مظلة التعلم السريع ستجد الكثير من الأفكار التي تساعدك على تصميم برنامجك التدريبي أو التعليمي بطريقة متوافقة مع ما عرفناه حتى اليوم عن كيفية تعلّم الدماغ وأهمية تنشيط العامل الذاتي في التعلّم:
-هيئ البيئة التي تساعد المتعلّمين على التخلص من الضغط النفسي وتخلق لديهم مشاعر إيجابية.
-نظم الأنشطة التي تتطلب (حل المسائل، ودراسات الحالة، وإجراء مقارنات، واكتشاف الروابط).
-تجنب الطرح الخطي للمعلومات أو تجزئتها إلى كتل منفصلة.
-اخلق جسراً بين المعلومات والحياة العامة في سياقٍ واقعيّ.
-اجعل التعلّم جماعياً ليس فردياً.
-اترك الفرصة متاحة للحركة، واختلق أنشطة تتطلب ذلك فالحركة تنشط الدورة الدموية في الدماغ، بحيث لا تترك المتعلّمين ساكنين على مقاعدهم وهي الحالة التي تؤدي إلى إعاقة الدماغ وإبطاء التعلم أو إيقافه كلياً.
أفكار في بيئة التعلم لجعل المتدربين نشيطين في الجوانب الأربعة (جسدياً/بصرياً/ سمعياً/ فكرياً) :
-دع المتدربين يمثلون ما يتعلّمونه.
-شجعهم على المساهمة في ترتيب قاعة التدريب .
-صياغة نماذج لتطبيق مفهوم أو حالة ما من قبل المتدربين.
-القيام بنشاط تعليمي مثل المحاكاة أو لعبة تعليمية.
-إجراء مقابلات ورحلات ميدانية ومن ثم كتابة تقرير عنها.
-مناقشة ما تم تعلمه بشكل جماعي.
-اطلب من المتدربين أن يقرؤوا بصوت مرتفع كلما كان هناك حاجة للقراءة.
-اسرد قصة تحمل بين طياتها المادة التدريبية.
-تصميم مصورات توضيحية ومواد تعليمية ثلاثية الأبعاد .
-مراقبة التطبيق على أرض الواقع ونقده والاستفادة منه.
يفشل النشاط التعليمي مهما بلغت جاذبيته وذكاء مصممه عندما يُلغى عامل استثارة الجانب الفكري لدى المتعلم (أو المتدرب) فيُصبح نشاطاً سطحياً.
إن الجانب الفكري هو البوابة التي ينقل بها الإنسان الخبرة إلى معرفة، والمعرفة إلى فهم، والفهم إلى حكمة. ومن الأفكار التي يُوصى بها لاستثارة الجانب الفكري:
تطبيق تجربة وتحليل نتائجها – حل المشكلات – تبني أفكار إبداعية – التفكير بتطبيقات وعواقب كل فكرة – التشكيك في كل فكرة قبل تبنيها – التدريب على التخطيط الاستراتيجي.
باختصار: قم بكل ما هو مناسب لإتاحة الفرصة للمتعلّمين لكي يتعلّموا بكامل حواسهم وعلى مستويات عدة في وقت واحد.
المصادر:
كتاب التعليم السريع – تأليف : دايف ماير.
http://www.sdaccelerate.com/accelerated-learning-techniques
http://www.learningdoorway.com/accelerated-learning-cycle.html
[ad_2]
نشر أولا في موقع تعليم جديد ، لقراءة الموضوع الأصلي أنقر هنا
أحدث التعليقات